الشخصية الاعتمادية: أعراض وعلاج

اضطراب الشخصية الاعتمادية هو أحد الاضطرابات النفسية المصنفة ضمن مجموعة اضطرابات الشخصية في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5). يتميز هذا الاضطراب بنمط سائد من السلوك الخاضع والمتشبث، والحاجة المفرطة إلى الرعاية، مما يؤدي إلى سلوكيات خنوع واعتمادية مفرطة على الآخرين في اتخاذ القرارات وتحمّل المسؤوليات. هذا النوع من الاضطرابات غالبًا ما يبدأ في مرحلة البلوغ المبكر، ويؤثر على الجوانب الشخصية والمهنية والاجتماعية لحياة الفرد.

السمات الجوهرية لاضطراب الشخصية الاعتمادية

يتسم اضطراب الشخصية الاعتمادية بعدد من السمات السلوكية والعاطفية والمعرفية التي تُشكّل نمطًا طويل الأمد من التبعية، من أبرزها:

• صعوبة اتخاذ القرارات اليومية دون قدر كبير من النصيحة والتطمين من الآخرين.

• الاعتماد الشديد على الآخرين لتولي المسؤوليات الكبرى في الحياة.

• الخوف المبالغ فيه من فقدان الدعم أو القبول، مما يؤدي إلى التردد في التعبير عن الرأي.

• عدم القدرة على بدء المشاريع أو القيام بالأعمال بشكل مستقل بسبب انعدام الثقة في النفس.

• الذهاب إلى أبعد الحدود للحصول على القبول والرعاية من الآخرين، حتى لو كان ذلك يتضمن القيام بأعمال غير مرغوب فيها.

• الشعور بالعجز والانزعاج الشديد عند الانفصال أو الابتعاد عن شخص يعتمد عليه.

• الانتقال بسرعة من علاقة إلى أخرى عند انتهاء العلاقة السابقة، وذلك بسبب الحاجة الملحة إلى الدعم والرعاية.

هذه السمات لا تكون مجرد مواقف عابرة، بل تُعد جزءاً من نمط مستمر ومترسخ في الشخصية.

أسباب اضطراب الشخصية الاعتمادية

لا يوجد سبب واحد واضح ومحدد لظهور اضطراب الشخصية الاعتمادية، إنما هو نتيجة لتفاعل عوامل متعددة، تشمل:

1. العوامل البيولوجية والوراثية: تشير الدراسات إلى وجود دور للعوامل الوراثية في تطور اضطرابات الشخصية، ومنها الاعتمادية، حيث يُعتقد أن بعض الأفراد يولدون بمزاج يميل إلى الانقياد والخجل والقلق.

2. العوامل النفسية والتربوية: أساليب التنشئة الأسرية المفرطة في الحماية أو السيطرة قد تلعب دورًا كبيرًا، فالأطفال الذين لم يُسمح لهم بتجربة الاستقلالية واتخاذ القرارات بأنفسهم يميلون إلى تطوير نمط اعتمادي في العلاقات.

3. العوامل الاجتماعية والثقافية: بعض الثقافات تشجع على التبعية والطاعة المفرطة، مما يساهم في تعزيز السمات الاعتمادية لدى الأفراد.

4. التجارب السلبية المبكرة: مثل الإهمال العاطفي، أو الانفصال عن أحد الوالدين، أو التعرض للعنف النفسي أو الجسدي، يمكن أن تترك أثرًا نفسيًا عميقًا يؤثر على تطور الشخصية.

تشخيص اضطراب الشخصية الاعتمادية

يعتمد تشخيص اضطراب الشخصية الاعتمادية على المعايير المحددة في DSM-5، ويُشترط توفر نمط طويل الأمد ومستمر من السلوكيات المرتبطة بالاعتمادية والخضوع. يُجري الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي تقييماً شاملاً يشمل المقابلات السريرية، والتاريخ الطبي والنفسي، وربما استخدام بعض المقاييس النفسية المعتمدة.

المعايير التشخيصية في DSM-5 تشمل:

• حاجة مفرطة لأن يُعتنى به، تؤدي إلى سلوك خضوعي وتشبثي وخوف من الانفصال.

• صعوبة اتخاذ القرارات اليومية دون مشورة مفرطة.

• صعوبة التعبير عن الرأي لخوف من فقدان الدعم أو القبول.

• صعوبة بدء المشاريع أو القيام بها بشكل مستقل.

• بذل جهد مبالغ فيه للحصول على القبول والدعم.

• الشعور بعدم الراحة أو العجز عند الانفصال عن الشخص الذي يعتمد عليه.

• البحث السريع عن علاقة بديلة عند انتهاء العلاقة.

• انشغال غير واقعي بالخوف من الاضطرار إلى الاعتناء بنفسه.

يجب أن تكون هذه المعايير مستمرة عبر الزمن وغير مقتصرة على فترة أو موقف معين، كما يجب أن تسبب خللاً كبيرًا في جوانب الحياة اليومية للفرد.

الفرق بين الاعتمادية الطبيعية واضطراب الشخصية الاعتمادية

من المهم التمييز بين الاعتمادية “الطبيعية” التي تظهر أحيانًا في العلاقات الصحية، وبين اضطراب الشخصية الاعتمادية. فالجميع يحتاج أحيانًا إلى الدعم أو المساندة من الآخرين، ولكن عندما تصبح هذه الحاجة مفرطة وتؤثر على قدرة الشخص في العيش بشكل مستقل، فإنها قد تدخل في إطار الاضطراب النفسي.

الاعتمادية الطبيعية تكون:

• ضمن حدود العلاقات المتبادلة.

• لا تؤثر على استقلالية الفرد في اتخاذ قراراته.

• لا تتسبب في ضيق نفسي أو اجتماعي شديد.

أما في حالة الاضطراب:

• تكون الحاجة إلى الدعم مفرطة وغير متناسبة.

• يتم تجاهل احتياجات الشخص نفسه.

• تؤدي إلى التبعية العاطفية والمادية والقراراتية الكاملة للآخرين.

تأثير اضطراب الشخصية الاعتمادية على الحياة اليومية

اضطراب الشخصية الاعتمادية يمكن أن يؤثر سلبًا على جميع مجالات الحياة، منها:

• العلاقات الشخصية: يتسبب في علاقات غير متوازنة حيث يتحمل الطرف الآخر مسؤوليات زائدة، ويشعر الشخص الاعتمادي بعدم القدرة على الاستقلال.

• العمل: يواجه صعوبات في تحمل المسؤوليات أو اتخاذ قرارات مهنية دون توجيه دائم.

• الصحة النفسية: تزداد احتمالية الإصابة بالاكتئاب، والقلق، واضطرابات الهلع.

• الاستغلال: يكون الشخص الاعتمادي عرضة للاستغلال العاطفي أو المادي نتيجة حاجته المفرطة إلى الدعم.

العلاجات المتوفرة لاضطراب الشخصية الاعتمادية

يعتمد علاج اضطراب الشخصية الاعتمادية على مجموعة من التدخلات النفسية، وأحيانًا الدوائية، حسب شدة الحالة ووجود اضطرابات مصاحبة.

1. العلاج النفسي

يُعتبر العلاج النفسي هو العلاج الرئيسي لهذا الاضطراب، ويشمل:

• العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يهدف إلى تعديل الأفكار السلبية المرتبطة بالاعتمادية، وتعليم مهارات اتخاذ القرار وبناء الثقة بالنفس.

• العلاج الديناميكي: يركز على تحليل جذور الاعتمادية في العلاقات المبكرة وفهم الدوافع اللاواعية.

• العلاج القائم على المهارات: مثل تدريب المهارات الاجتماعية ومهارات التأقلم والتعبير عن الرأي.

2. العلاج الدوائي

في بعض الحالات، قد يُستخدم الدواء لمعالجة أعراض القلق أو الاكتئاب المرافقة، مثل:

• مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)

• مضادات القلق (يُستخدم بحذر)

3. الدعم الاجتماعي والتدريب الأسري

• توعية الأسرة والأصدقاء بكيفية دعم الشخص بطريقة تساعده على الاستقلال.

• تجنب التمكين غير المقصود لسلوكيات الاعتمادية.

• تشجيع المشاركة في مجموعات دعم أو العلاج الجماعي لتوسيع دائرة العلاقات وتقوية المهارات الاجتماعية.

استراتيجيات الوقاية والتعايش

رغم أن الوقاية الكاملة من اضطرابات الشخصية صعبة بسبب تداخل العوامل الجينية والبيئية، إلا أن بعض الاستراتيجيات قد تساهم في التقليل من احتمالية تطور الاضطراب أو التخفيف من آثاره:

• تعزيز الاستقلالية منذ الطفولة: من خلال تشجيع الطفل على اتخاذ قرارات مناسبة لعمره.

• تعليم المهارات الحياتية: مثل مهارات حل المشكلات، والتفكير النقدي، والاعتماد على الذات.

• الوعي المبكر بالأعراض: والتوجه للعلاج فور ملاحظة سمات الاعتمادية المفرطة.

• تطوير شبكة دعم صحيّة: تتضمن أفرادًا يشجعون على النمو والاستقلال وليس فقط تقديم الرعاية.

جدول: مقارنة بين السمات الاعتمادية الطبيعية واضطراب الشخصية الاعتمادية

خاتمة

اضطراب الشخصية الاعتمادية هو حالة نفسية جدية تتطلب فهماً عميقاً وتشخيصاً دقيقاً وتدخلاً علاجياً مهنياً، من أجل استعادة التوازن النفسي والاجتماعي للفرد. إن التشخيص المبكر والوعي المجتمعي بخصائص هذا الاضطراب يمكن أن يساهم في التخفيف من آثاره السلبية، ويساعد الأفراد على بناء علاقات أكثر صحة واستقلالية.

المراجع

1. American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (5th ed.).

2. Millon, T., & Davis, R. D. (1996). Disorders of Personality: DSM-IV and Beyond.

3. Sperry, L. (2003). Personality Disorders and Mental Health.

4. Livesley, W. J. (2001). Handbook of Personality Disorders: Theory, Research, and Treatment.

5. Paris, J. (2008). Treatment of Personality Disorders.